سورة الإسراء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
أي: ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، كما يدعوه لهم بالخير، كقوله: {وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير} [يونس: 11]. {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله، لا يتأنى فيه تأني المتبصر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دفع إلى سودة بنت زمعة أسيراً، فأقبل يئن بالليل، فقالت له: مالك تئن؟ فشكا ألم القدّ، فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم دعا به فأعلم بشأنه، فقال صلى الله عليه وسلم «اللهم اقطع يديها» فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة، وأن يقطع الله يديها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني سألت الله أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر فلتردّ سودة يديها» ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر، وأنه يدعو بالعذاب استهزاء ويستعجل به، كما يدعو بالخير إذا مسته الشدّة. {وكان الإنسان عجولاً}: يعني أن العذاب آتيه لا محالة، فما هذا الاستعجال، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو النضر بن الحرث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية، فأجيب له، فضربت عنقه صبراً.


{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}
فيه وجهان، أحدهما: أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين، كإضافة العدد إلى المعدود، أي: فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة.
والثاني: أن يراد: وجعلنا نيري الليل والنهار آيتين، يريد الشمس والقمر. {فمحونا آية الليل}: أي جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلماً، لا يستبان فيه شيء كما لا يستبان ما في اللوح الممحوّ، وجعلنا النهار مبصراً أي تبصر فيه الأشياء وتستبان. أو فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق لها شعاعاً كشعاع الشمس، فترى به الأشياء رؤية بينة، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء {لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبّكُمْ} لتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم والتصرف في معايشكم {وَلِتَعْلَمُواْ} باختلاف الجديدين {عَدَدَ السنين و} جنس {الحساب} وما يحتاجون إليه منه ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات، ولتعطلت الأمور {وَكُلَّ شيْءٍ} مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم {فصلناه} بيناه بياناً غير ملتبس، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا.


{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
{طائره} عمله وقد حققنا القول فيه في سورة النمل.
وعن ابن عيينة: هو من قولك: طار له سهم، إذا خرج، يعني: ألزمناه ما طار من عمله. والمعنى أنّ عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا يفك عنه، ومنه مثل العرب: تقلدها طوق الحمامة. وقولهم: الموت في الرقاب. وهذا وبقة في رقبته. عن الحسن: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة إذا بعثت قلدتها في عنقك. وقرئ: {في عنقه} بسكون النون. وقرئ: {نخرج} بالنون. {ويخرج} بالياء، والضمير لله عز وجل {ويخرج}، على البناء للمفعول. ويخرج من خرج، والضمير للطائر. أي: يخرج الطائر كتاباً، وانتصاب {كتابا} على الحال. وقرئ: {يلقَّاه}، بالتشديد مبنيا للمفعول. و{يلقاه مَنْشُوراً} صفتان للكتاب. أو {يلقاه} صفة و{مَنْشُوراً} حالٌ من يلقاه {اقرأ} على إرادة القول.
وعن قتادة: يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئاً. و{بِنَفْسِكَ} فاعل كفى. و{حَسِيباً} تمييز وهو بمعنى حاسب كضريب القداح بمعنى ضاربها وصريم بمعنى صارم ذكرهما سيبويه. وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا. ويجوز أن يكون بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد فعدّي بعلى لأنّ الشاهد يكفي المدعي ما أهمه.
فإن قلت: لم ذكر حسيباً؟ قلت: لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير؛ لأنّ الغالب أنّ هذه الأمور يتولاها الرجال، فكأنه قيل: كفى بنفسك رجلاً حسيباً. ويجوز أن يتأوّل النفس بالشخص، كما يقال: ثلاثة أنفس. وكان الحسن إذا قرأها قال: يا ابن آدم، أنصفك والله من جعلك حسيب نفسك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8